ما هو اضطراب التوحد؟
اضطراب التوحد هو طيف من الاضطرابات النفسية والعقلية التي تجعل الطفل يعاني من مجموعة من الصعوبات أهمها صعوبة في التواصل اللفظي وغير اللفظي مع الأم والمحيطين به بالإضافة إلى تأخر الكلام وتكرار مجموعة من الحركات المعينة باستمرار دون توقف. يمكن أن تظهر أعراض التوحد منذ الولادة ومن الممكن أيضاً أن تظهر بعد ذلك مع التقدم في العمر بشرط أن تبدأ في الظهور قبل سن 3 سنوات. تختلف أعراض اضطراب التوحد من طفل لآخر فلا يوجد قاعدة لتشابه جميع الحالات كما أن بعض الحالات تعاني من أمراض واضطرابات أخرى بجانب اضطراب التوحد كالصرع والاكتئاب والوسواس القهري وغيرها.
أعراض اضطراب التوحد
- تأخر في تعلم الكلام والنطق، من المعروف أن الطفل يبدأ في نطق العبارات عند سن عامين، وعند الوصول لسن ثلاث أعوام يستطيع تكوين ونطق جميل أطول وأكثر تعقيداً. في حالة اضطراب التوحد يتأخر الطفل في النطق عن الحالات الطبيعية.
- عدم إصدار أصوات لمحاولة التواصل مع الأب والأم في السنة الأولى من العمر. البشر كائنات اجتماعية بالفطرة، لذلك بشكل طبيعي يحاول الطفل التواصل مع من حوله وخاصة الأب والأم ليعبر عن احتياجاته ومشاعره إمّا عن طريق التواصل البصري بالعين أو عن طريق إصدار أصوات معينة قبل تطور الكلام، في حالة اضطراب التوحد لا يقوم الطفل المصاب بمثل تلك التصرفات ولا يحاول التواصل مع الأب والأم.
- اتخاذ نمط غريب وغير طبيعي للكلام حيث يكون الصوت وطريقة الكلام أقرب ما يكون للإنسان الآلي.
- صعوبة في التواصل اللفظي وغير اللفظي.
- صعوبة في فهم المشاعر والتعبير عنها.
- تجنب التواصل عن طريق العين.
- تكرار عبارات معينة بشكل مستمر.
- صعوبة في الاستمرار في المحادثات، فإذا حاول الأب والأم أو غيرهم التحدث إلى الطفل المصاب بالتوحد فإن الطفل يصاب بالضجر بسرعة ويفقد تركيزه ولا يستطيع إكمال المحادثة.
- القيام بمجموعة معينة من الأفعال التكرارية فقد يميل بعض الأطفال لدحرجة أنفسهم على الأرض أو الدوران حول أنفسهم أو غيرها من الحركات التكرارية.
- التقيد الشديد بالروتين: حيث يعتاد الأطفال المصابون بالتوحد على روتين ثابت سواء في الأفعال التي يقومون بها أو بترتيب البيئة المحيطة بهم بشكل معين وعند حدوث أي تغيير في ذلك الروتين أو في شكل وطبيعة البيئة المحيطة بهم أو عند تعرضهم لموقف جديد أو بيئة صاخبة فإنهم يصابون بالتوتر والغضب الشديد وقد لا تستطيع السيطرة على نوبات غضبهم وصراخهم.
أسباب اضطراب التوحد
حتى الآن لم يتم التوصل لسبب مباشر يسبب اضطراب التوحد بالرغم من العديد من الأبحاث التي تقرر وجود علاقة بين خلل في بعض الجينات واضطراب التوحد. ذلك الخلل الجيني يمكن أن يحدث من تلقاء نفسه ويمكن أن ينتقل بشكل وراثي. وُجد أيضاً حدوث خلل في مناطق المخ المسئولة عن النطق والكلام والمناطق المسئولة عن التصرف والسلوك لدى الأطفال المصابة بالتوحد. يوجد بعض الادعاءات بوجود علاقة بين العوامل البيئية والإصابة بالتوحد لكن لم يتم تفسير ذلك.
هل يوجد علاقة بين التطعيمات الوقائية والإصابة بالتوحد؟
يدعي البعض أن بعض التطعيمات كالتطعيم ضد الحصبة والحصبة الألمانية والتهاب الغدة النكفية من الممكن أن تسبب الإصابة بالتوحد لكن العديد من الدراسات أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك خطأ ذلك الادّعاء. ظهرت بعد ذلك ادّعاءات أخرى بعلاقة بعض التطعيمات الوقائية بالإصابة باضطراب التوحد ويبررون ذلك الادّعاء باحتواء بعض التطعيمات على المادة الحافظة thimerosal والتي تحتوي على عنصر الزئبق لكن مرة أخرى تثبت العديد من الدراسات والتي تزيد عن تسعة دراسات خطأ ذلك الادعاء. لذلك فلا علاقة للقاحات أو التطعيمات الوقائية بالإصابة باضطراب التوحد.
علاج اضطراب التوحد
كما ذكرت سابقاً فإن اضطراب التوحد لا يسير على نفس الشاكلة بل تختلف أعراضه من طفل لآخر، لذلك فلا يوجد نمط علاجي معين يصلح لجميع الحالات ولكن يوجد العديد من التدخلات العلاجية النفسية والدوائية والتي يمكن الدمج بينها ومنها ما يلي:
أولاً العلاج النفسي:
- العلاج السلوكي التطبيقي: يقوم المتخصصون في ذلك النوع من العلاج بملاحظة السلوك والتصرفات التي يقوم بها مريض التوحد وتحليلها لمحاولة الوصول للأسباب الدافعة لتلك السلوكيات ومن ثم يحاولون جعل الطفل يتخلص من تلك السلوكيات وتبني سلوكيات أخرى بناءة خطوة بخطوة. لا يهدف ذلك النوع من العلاج إلى تغيير سلوكيات الطفل المصاب بالتوحد فقط بل يعمل على تثقيف وتعليم وتعديل سلوك الأسرة والمحيطين بالطفل أيضاً. يساعد ذلك النوع من العلاج على تعديل السلوك وزيادة القدرة على التركيز والتعليم.
- أسلوب البدء المبكر لدينفر: يهدف هذا النوع من العلاج لزيادة مهارات التواصل والإدراك حيث يقوم الطبيب أو الأخصائي النفسي باستخدام حركات المفاصل واللعب لإضفاء روح الدعابة أثناء العلاج ومساعدة الطفل على التواصل بالآخرين. يكون هذا النوع من التدخل فعالاً حتى سن 4 أعوام فقط.
- Floortime: في هذه الحالة يقوم المتخصصون بإشراك الآباء والأمهات مع الأطفال في وقت اللعب ويُترك الطفل المصاب بالتوحد ليقود عملية اللعب مما ينمي مهاراته في القيادة والاعتماد على النفس كما يزيد من خبرته في التواصل والحميمية. يمكن أن يستخدم معالجوا النظام السلوكي التطبيقي هذه الطريقة أيضاً أثناء علاجهم.
- العلاج المهني الوظيفي: يهدف ذلك النوع من التدخل العلاجي لتعليم الطفل المهارات اللازمة لحياته اليومية حتى ينمو الطفل معتمداً على نفسه دون الحاجه للمساعدة في القيام بالأعمال التي يحتاجها يومياً مثل ارتداء الملابس وقضاء حاجته وتنظيف نفسه والاستحمام وغيرها من الأعمال الأخرى.
- علاج الاستجابة المحوري(PRT): علاج نفسي سلوكي يعتمد على اللعب يهدف إلى تعليم الطفل وتشجيعه على التواصل والتعبير عن نفسه بحيث يتم مكافئة الطفل عند طلب شئ ما بشكل صحيح بإعطائه ما طلب.
- علاج تنمية العلاقات: يهدف هذا النوع من العلاج إلى تطوير التركيز والتفكير الديناميكي وتطوير فهم الآخرين وتحليل المواقف واستيعاب المعلومات من أكثر من مصدر مثل الصوت والصورة والحركة في آن واحد دون الإحساس بالضيق مما يجعل الحياة اليومية للمصابين بالتوحد أسهل.
- العلاج الكلامي: يقوم الطبيب أو الأخصائي النفسي في هذا النوع من العلاج بتعليم الطفل العلاقة بين المشاعر وتعبيرات الوجه ولغة الجسد ونغمة الصوت مما يساعد في فهم مشاعر الآخرين والتواصل معهم بشكل سليم.
- برنامج TEACCH: يعمل هذا البرنامج على تلبية احتياجات الأطفال المصابون بالتوحد عن طريق دمجهم في فصول دراسية مع مراعاة تقديم وسائل التعليم المناسبة لهم والتعامل مع الصعوبات المتوقع نشأتها أثناء تلك العملية.
- العلاج اللفظي السلوكي: يهدف هذا النوع من التدخل العلاجي لتطوير لغة الطفل عن طريق تعليمهم الألفاظ ومعناها ومناسبة قولها مما يساعد على تطوير اللغة والتواصل في آن واحد.
ثانياً العلاج الدوائي:
يختلف العلاج الدوائي من حالة لأخرى من المصابين باضطراب التوحد وغالباً ما يكون العلاج الدوائي موجهاً للحالات المرضية الأخرى المصاحبة لاضطراب التوحد مثل الاكتئاب والصرع ومشاكل النوم والوسواس القهري.
هل اضطراب التوحد قابل للعلاج؟
للأسف اضطراب التوحد غير قابل للشفاء التام لكن مع ذلك فإن العلاج الدوائي والتدخلات الأخرى من وسائل العلاج النفسي التي ذكرتها سابقاً تساعد على تطوير قدرات الطفل المصاب بالتوحد والتحكم في الأعراض والمشكلات المصاحبة لحالته حتى يستطيع بالأخير التعامل بشكل مستقل عن والديه.
التوحد ومتلازمة العبقرية
الطفل المصاب بالتوحد ليس بالضرورة نقمة أو مفقود الأمل به، فيوجد العديد من التدخلات والطرق لتعليم وتطوير الطفل المصاب بالتوحد ليستطيع التعامل والعيش بشكل أقرب للطبيعي كما أن هناك واحداً من كل عشرة أطفال مصابون بالتوحد يمتلك متلازمة العبقرية والتي يمتلك الطفل فيها قدرات خارقة للعادة في مجالات معينة، كقدرة الطفل على تخزين قدر هائل من المعلومات أو امتلاكه ذاكرة تصويرية أو قدرته على حل مسائل رياضية والتعامل مع الأرقام بشكل خارق أو حل الألغاز الصعبة وإظهار قدرات عبقرية مع الآلات الموسيقية أو قراءة صفحتان من الكتاب بشكل متوازي وغيرها الكثير من مظاهر العبقرية. من ضمن مظاهر العبقرية هي الذاكرة التصويرية والتخيل الخارق والذي عرضه المسلسل الطبي (The Good doctor) حيث قام الملسل بعرض قصة حياة الطبيب الجراح شون مورفي والذي أظهر قدرات خارقة للعادة في مجال الجراحة متفوقاً بذلك عن جميع أقرانه ومتحدياً كل الذين شككوا بقدراته.ربما تفكر في أن ذلك مسلسل تلفيزيوني غير واقعي لكن في الحقيقة الواقع ملئ بهؤلاء العباقرة الذين تركوا بصمة تاريخية في مجالاتهم ومنهم عالمة الحيوان تمبل جراندين والتي عرض فيلم سينيمائي باسمها (Temple Grandin) ولدت تمبل عام 1947, لم تفقد والدتها ولا معلميها الأمل حتى تعلمت الكلام والقراءة والكتابة وظهرت عبقريتها أثناء تعليمها حتى التحقت بالجامعة وتخرجت فيها وأكملت دراساتها في عالم الحيوان وقامت بدراساتها التي شكلت طفرة عظيمة في عصرها وحتى الآن.
لم تكن تمبل الوحيدة من العباقرة المصابون بالتوحد بل يوجد أيضاً الفنان ستيفن ويلتشير والذي حصل على شهادة MBE عام 2006، يوجد أيضاً دانيال تامت والذي يستطيع التحدث ب11 لغة مختلفة كما يقوم بعمليات حسابية معقدة أسرع من الآلة الحاسبة كما أنه يمتلك ذاكرة حديدية تمكنه من حفظ الأرقام المعقدة وتذكر أي وجه يراه في حياته. يوجد أيضاً العبقرية مناهل ثابت؛ أول امرأة تدخل موسوعة العباقرة عن بحوثاتها العبقرية في مجال الفضاء. بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت لا يزال إلى الآن يعاني من بعض أعراض مرض التوحد. يُقال أن الفنان العبقري فان جوخ وعالما الفيزياء نيوتن وأينشتاين كانا مصابان بالتوحد أيضاً. كل هؤلاء كانوا عباقرة سجل التاريخ أسماءهم برغم ولادتهم منذ قديم الأزل، لذلك فإن طفلك بالتأكيد يمتلك فرصة أفضل الآن.