اضطراب القلق من أكثر الاضرابات النفسية انتشاراَ علي مستوى العالم أجمع حيث تشير الإحصائيات أن 1 من كل 5 بالغين يعاني من اضطراب القلق ربما دون أن يعلم من الأساس، فهل تلعب الوزاثة دوراً في اضطرابات القلق؟! وما الذي يحدث في دماغنا عندما نصاب بأحد تلك الاضطرابات؟

يسيطر القلق علي حياة الإنسان المصاب به مما يجعله يعاني من اضطرابات في النوم والشهية وصعوبة في التركيز ويُعرف القلق أنه شعور دائم غير مبرر بالخوف من كل شئ وربما بدون أي أسباب علي الإطلاق. تكون الشخصيات التي تعاني من القلق أو تتسم بالقلق المفرط بيئة خصبة لعدة أمراض نفسية أخرى كالاكتئاب وغيره ويظهر عليهم أعراض نفسية/جسمانية كثيرة كاضطرابات الجهاز الهضمي وقرحة المعدة وزيادة ضربات القلب وارتعاش الأطراف مما يسبب الحرج والمتاعب. لتلك الفئة الغير قليلة.
سبب اضطراب القلق
لفترة طويلة لم يتمكن العلماء من معرفة السبب الرئيسي لذلك السلوك وسببه العضوي المباشر أو المنطقة بالدماغ التي يحدث بها الخلل ليكون الشخص قلقاً معظم الوقت لذلك اتجهت كل العقاقير الطبية الموجودة لعلاج والتخفيف من الأعراض ولم تتعرض للسبب من الأساس.

مؤخراً أقيمت العديد من الأبحاث الجديدة لكشف طبيعة هذا الخلل والمناطق المسئولة عن تطوره في المخ وذلك عن طريق أجهزة الرنين المغناطيسي الوظيفي FMRI والتي تقوم بتصوير نشاط المخ وكانت النتيجة أن المنطقة التي تنشط بشدة لدى الأشخاص الذين يعانون من القلق المزمن هي منطقة اللوزة الدماغية “Amygdala” ويزداد هذا النشاط كلما كان الشخص ذو سلوك وطباع قلقة أكثر، بعبارات أخرى مدى النشاط في تلك المنطقة هو ما يحدد السلوك القلق لدى الأشخاص.
هل اضطراب القلق وراثي ؟
كان التساؤل التالي الذي يدور في عقول العلماء بما أن سلوك القلق ينتج عن نشاط مناطق محددة في المخ، أي أن له سبب عضوي مباشر، هل يمكن أن يُورث هذا السلوك أو الاضطراب عبر الأجيال من الآباء للأبناء؟ كان هذا التساؤل هو ما قاد للمزيد من التجارب.
أقيمت هذه التجارب علي القرود، وكانت الخطوة الأولى في تلك التجارب هي تصنيف القرود لمعرفة درجة القلق لديهم، تم إدخال إنسان جديد لا تعرفه تلك القرود إلي المكان الذي يتواجدون فيه وعن طريق مراقبة تصرفاتهم تم تصنيف القرود ذات السلوك الذي يشير لارتفاع مستوى القلق لديهم ومن ثم عزلهم لإجراء بعض الفحوصات علي أدمغتهم وكانت النتيجة متوقعة وهي زيادة النشاط لدي تلك القرود في منطقة اللوزة الدماغية “Amygdala”، في حين كان هذا النشاط قليل جداً في المجموعة الأخرى من القرود التي تصرفت بشكل طبيعي.
بعد متابعة هاتين المجموعتين ونسلهما لعدة أجيال كانت النتيجة أن أبناء القرود ذات النشاط المرتفع في منطقة اللوزة الدماغية “Amygdala” المسئولة عن القلق أظهرت فحوصات أدمغتهم وجود إشارات وبوادر تشير إلي احتمالية إصابتهم باضطراب القلق مستقبلاً وهذا ما حدث بالفعل.
بمتابعة وفحص مجموعة القرود جميعاً لعدة أجيال وُجد أن القرود من الأجيال الجديدة التي تتميز أدمغتها بنشاط زائد في منطقة اللوزة الدماغية لها صلة قرابة بآباء كانوا يعانون من نفس المشكلة مما يُثبت أن القلق ينتقل من جيل لآخر ويتم توريثه من جيل لآخر تماماً كغيره من الصفات كلون العين والشعر والطول وغيرها.
علاج اضطراب القلق
بالرغم من كون الأدوية التي تعالج اضطرابات القلق ما زالت متجهة حتى الآن لعلاج الأعراض فقط ولم تتجه بعد للعمل علي المنطقة المسببة للمرض إلا أن هذه الاكتشافات ما زالت تُعد تقدماً واضحاً وإنجازاً قيماً يمكن الاعتماد عليه لتطوير الأبحاث بشكل أكثر لمعرفة خطوات تطور المرض بشكل أدق حيث يمكننا فيما بعد اقتفاء أثره وتقليل فرص حدوثه من البداية.