“إبراهام ماسلو” صاحب نموذج “هرم ماسلو للاحتياجات الانسانية” الذي تتكون قاعدته من احتياجات الانسان الفيسيولوجية اللازمة لبقاءه على قيد الحياه والتي ذكرها ماسلو على النحو الآتي: الحاجة إلى النوم، تناول الطعام، شرب الماء، تنفس الهواء، مأوى لضمان الحماية، الجنس لضمان بقاء النوع. لذا فالجنس يعد من الحاجات الجسدية الأساسية لضمان بقاء الانسان، فماذا يحدث عند انعدام أو انخفاض الرغبة به ؟!
اضطراب الرغبة الجنسية المكتسب (Hypo-active Sexual Desire Disorder):
قبل الحديث عن عقار “فياجرا النساء” دعونا في البداية نتحدث عن هذا اضطراب الرغبة الجنسية المكتسب وهو الشكل الأكثر شيوعا لضعف الرغبة الجنسية عند النساء، وهو حالة مزعجة تفقد فيها المرأة الاهتمام بالجنس. وتخبرنا جمعية أبحاث صحة المرأة أن واحدة من كل عشر نساء تعاني من اضطراب الرغبة الجنسية، مما يجعلها واحدة من أكثر شكاوى الصحة الجنسية الشائعة بين الإناث.
والحقيقة أن انخفاض الرغبة الجنسية لدى المرأة من وقت لآخر يعد أمرا طبيعيا طبقا للتغيرات الهرمونية، والآثار الجانبية لبعض الأدوية، والإجهاد، فكلها أسباب يمكن أن تؤدي إلى تثبيط الرغبة الجنسية. لكن هذه الفترات عادة ما تكون مؤقتة وتعود الغريزة الجنسية إلى طبيعتها مرة أخرى لكن اضطراب الرغبة الجنسية يعد مرضاً مزمناً ويسبب ضائقة كبيرة وقلق مستمر حول مصير العلاقة لكل من النساء وأزواجهن.
ويعد هذا الضيق الذي تشعر به المراة مؤشرا مهما وبنية أساسية للتشخيص. فإن لم تشعر المرأة بالضيق تجاة انخفاض رغبتها الجنسية فعادة لا يمكن تشخيصها باضطراب الرغبة الجنسية المكتسب.
أسباب اضطراب الرغبة الجنسية لدى النساء
أسباب عضوية:
- بعض الحالات المرضية: يمكن أن يؤدي مرض السكري وأمراض القلب والسرطان والأمراض النفسية (الاكتئاب) والأمراض العصبية (التصلب المتعدد) وقصور الغدة الدرقية والتهاب المفاصل إلى تقليل الرغبة الجنسية
- بعض الأدوية: العديد من الأدوية لها آثار جانبية جنسية، بما في ذلك انخفاض الدافع الجنسي. والأدوية التالية تنخفض الرغبة الجنسية لدى بعض الأشخاص: مضادات الاكتئاب، مضادات الذهان، بعض أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم والصداع النصفي، البنزوديازيبينات لعلاج الأرق والقلق، حبوب منع الحمل، المواد الأفيونية (مسكنات الألم مثل المورفين).
- انقطاع الطمث والحمل والرضاعة الطبيعية: حيث التغيرات الهرمونية خلال هذه الأوقات ، وخاصة هبوط الأستروجين أثناء انقطاع الطمث.
- نمط الحياة: قد يكون تقديم الرعاية أو مسؤوليات العمل أمرا متعبًا ومجهدًا جدا للتفكير في الجنس.
- المشاكل الجنسية: كحدوث آلام أثناء العملية الجنسية مما قد يقلل الرغبة في اعادة التجربة
أسباب نفسية:
- المشاكل النفسية كالقلق والاكتئاب والشعور بالدونية ليست سوى بعض من العوامل النفسية التي يمكن أن تؤثر على الدافع الجنسي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للصدمة الجنسية السابقة والإيذاء الجسدي أن يجعلوا فكرة الجنس مخيفة وغير جذابة.
- مشاكل مع الشريك: كنقص الثقة بين الطرفين وعدم القدرة على مناقشة القضايا الجنسية مع الشريك.
فياجرا النساء أو الـ Flibanserin
علاج الفليبانسيرين Flibanserin (المعروف تجارياً باسم آدي Addyi) هو العلاج الأول والوحيد الذي تمت الموافقة عليه من قِبل إدارة الأغذية والعقاقير (FDA) لاضطراب الرغبة الجنسية المكتسب والضيق المصاحب في النساء اللواتي لم يتجاوزن سن اليأس.

وهو علاج متوفر حاليًا في الولايات المتحدة وبعض الدول العربية مثل مصر لعلاج الاختلال الوظيفي الجنسي للإناث – وتحديدًا انخفاض الرغبة الجنسية المكتسب – مع العلم بأنه ظهر لأول مرة كدواء لعلاج حالات الاكتئاب ووجد مصادفة أنه يعزز الرغبة الجنسية لدى النساء كما حدثت الصدفة مع عقار الفياجرا.

علاج الفليبانسيرين Flibanserin لا يعمل بنفس طريقة الفياجرا، فلا يزيد من تدفق الدم للأعضاء التناسلية ولكنه يعمل على تحسين الحالة النفسية، حيث يحسن الرغبة الجنسية من خلال التأثير على مستوى الناقلات العصبية في الدماغ لذا لا يصح أن نطلق عليه لقب “فياجرا النساء” نظراً للاختلاف الشديد بينهما كما أنه عبارة عن حبة دواء غير هرمونية تؤخذ يوميا قبل النوم على عكس الفياجرا التي تؤخذ عند الحاجة.
لماذا لا يستخدم هذا العقار بعد انقطاع الطمث؟
التجارب السريرية لاختبار دواء “فياجرا النساء” – مع تحفظنا على هذا اللقب – كانت تتضمن النساء اللواتي لم يختبرن فترة انقطاع الطمث لذا من الصعب الحصول على أدلة كافية لدعم تأثير الدواء على النساء ما بعد سن اليأس.لكن هناك تجارب قائمة في الوقت الحالي وإذا وجد أن الدواء آمن سيصبح متاحاً لهن أيضاً.
الآثار الجانبية للعقار
تتمثل أهم الآثار الجانبية لعلاج “فياجرا النساء” كما هو مشهور عنها: انخفاض ضغط الدم، الدوخة أو الإغماء، الشعور بالإرهاق، الغثيان، جفاف الفم،النعاس وزيادة ساعات النوم. ولا ينصح باستخدام العقار في حالات: أمراض الكبد، الحمل والرضاعة، وفي حالة تعاطي الكحول.
هل عقار “فياجرا النساء” آمن؟
هناك تضارب في آراء الاطباء حول هذا العقار، حيث يرى البعض أنه آمن مع تحذير المرضى بمخاطر الآثار الجانبية للدواء لكن يرى البعض الآخر أن الآثار الجانبية للدواء تفوق فائدته حيث لا يعتبر عقار فياجرا النساء (الفليبانسيرين Flibanserin) عقاراً فعالاً بشكل كبير حتى يستحق المخاطرة بأخذ حبة منه يومياً وبشكل مستمر.

كما أنه غير فعال في كثير من الحالات حيث أن أغلب النساء اللواتي تعاني من اضطراب الرغبة الجنسية المكتسب لديهن اضطرابات هرمونية مثل نقص البروجستيرون والاختلال الهرموني بين الاستروجين والتستستيرون، بالاضافة إلى أن الجنس بالنسبة للمرأة مرتبط بشكل كبير بالعاطفة والأمور الشخصية، فالعقار لا يقدم أية حلول لانخفاض الرغبة الجنسية تجاه شريك لا يمكن للمرأة التوافق معه!
يقول الدكتور مايكل إنغبر، أخصائي المسالك البولية في مركز صحة المرأة المتخصصة في نيويورك: “أعتقد أن أحد الأمور التي يجب أن تفهمها بشأن هذا العقار هي أن الأمر ليس ببساطة التصور أن تناول حبة واحدة في اليوم سيجعلك فجأة تتحول إلى شخص مختلف”
.
وتقول الطبيبة النسائية “جيرسي” لكي ينجح الدواء، فإن النساء اللواتي يأخذنه مازلن بحاجة إلى عوامل أخرى، بما في ذلك المزاج الجيد، والسيطرة على مستويات التوتر، وبالطبع الشريك المناسب”
وأشار إنغبير إلى أن العديد من النساء اللواتي يتناولن هذا الدواء ربما يواجهن مشكلة في زيادة الرغبة الجنسية بشكل يفوق الطبيعي مما يجعل الأمر مزعجاً بالنسبة لهن.
وحيث أن الوظيفة الجنسية لدى النساء معقدة، فيجب على النساء اللواتي لديهن مشكلة مع الرغبة الجنسية محاولة فهم العوامل المختلفة التي تؤثر على تلك الرغبة، بالإضافة إلى التشاور مع طبيب الصحة النفسية جنباً إلى جنب مع الطبيب المختص بعلاج المشاكل الجنسية.
خيارات أخرى لتحسين الرغبة الجنسية لدى النساء
1. تغيير نمط الحياة: هناك بعض التغييرات في نمط الحياة التي يمكن إجراؤها والتي ترتبط بالرغبة الجنسية وتحسين الحياة الجنسية في العموم، وتشمل هذه التغييرات:
- الإقلاع عن التدخين
- الامتناع عن شرب الكحول، خاصة قبل العلاقة الجنسية
- النظام الغذائي الصحي مع الكثير من الفواكه والخضروات والقليل من الدهون المشبعة
- ممارسة الرياضة بانتظام
وقد يجد بعض الأشخاص من خلال إجراء هذه التغييرات، أنهم ليسوا في حاجة إلى أية أدوية لتحسين الرغبة الجنسية لديهم.
2. زيادة الطبيب: حيث يمكنك استشارة الطبيب / الطبيبة حول المشاكل الجنسية التي تمرين بها، وسيكون بالإمكان المساعدة إذا كان:
- حدوث المشاكل الجنسية بسبب حالة مرضية، لذا بعض التشخيص وتلقي العلاج تتحسن الأعراض أو يصبح بالإمكان السيطرة عليها.
- الأدوية التي تتناولها هي السبب في المشكلة، فيمكن للطبيب مراجعة أدويتك لمعرفة ما إذا كان أحدهم هو سبب ذلك العرض
- حدوث المشاكل الجنسية بسبب المشاكل النفسية، حيث يمكن للطبيب النفسي التعامل مع الحالة وتقديم المشورة للتعامل بشكل آمن مع الوضع.

في نهاية المطاف يعد عقار الفليبانسيرين Flibanserin (آدي Addyi) بداية لا بأس بها كمحاولة للتمهيد للنساء بإمكانية التحدث عن الحياة الجنسية والمشاكل التي تمر بها دون خجل وقد يساعد في تمهيد الطريق أمام النساء للتعبير عن ذواتهن.
يجب أن يصبح للمرأة القدرة على القول:” إن حياتي الجنسية ليست كما أريد أن تكون، ولدي الرغبة بأن أفعل شيئاً حيال ذلك.”
ففي النهاية حياتنا الجنسية من الطبيعي أن تستحق الاهتمام، والحصول على شريك مناسب هو البداية فكما يصور أفلاطون في كتابه “المحاورات ” إذ يحكي عن حفلة العشاء التي يقوم فيها المسرحي الساخر “أرسطوفانيس” بتسلية ضيوفه بقصة مضمونها:
“أن البشر كانوا فيما مضى ذات أربعة أذرع وأربعة أرجل ووجهين وذات يوم أغضبوا الآلهة فقام زيوس بشطر كل منهم إلى اثنين مما جعل كل منهم يفقد نصفه الآخر وأننا بحاجة إلى البحث عن هذا النصف حتى نكتمل مرة أخرى”.
المصادر: Cosmopolitan / Addyi / BBC / SuperDrug