ذلك الشعور بالسكينة والراحة والرضا عن نفسك وحياتك، عن حياة تعيشها وعن ما تمتلك، ذلك الشعور الذي يغمرك بالسعادة وينزع عنك امتعاضك أو ما يُعرف اختصاراً بالامتنان، هل جربته من قبل؟ هل تتذكر حالك حينها مقارنة بأوقات أخرى كنت تفكر فقط فيما ينقصك! حسناً إذا كان ذلك التفكير واستحضار الجانب الجيد من حياتك وعلاقاتك يشعرك بذلك القدر من الراحة والسكون النفسي لماذا إذاً لا نستمر بالتفكير بتلك الطريقة على الدوام!
الحقيقة المُرة أن طبيعة العالم الذي نعيش به الآن تجعل الأمر غاية في الصعوبة فنحن الجيل الذي يعرف ويرى أكثر من اللازم من تفاصيل حياة الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي مما يجعل الرضا ليس بتلك السهولة، ففي أغلب الوقت نرى هنا وهناك تلك التفاصيل البراقة في حياة الآخرين مما يجعلنا نتغافل عن التفاصيل البراقة خاصتنا ودائماً ما نشعر بالامتعاض.
بالإضافة لما سبق فطبيعة المجتمع التنافسي المفروض على معظمنا يجعل من الصعب الامتنان والرضا بالإنتاج الذي يصل له كل منّا فمهما فعلت ستجد أنه هناك المزيد كان من الممكن أن تبذله لتحافظ على المكان الذي تشغله أو لنيل مكانة أفضل. لتلك الأسباب كان لابد من إيجاد طريقة أو أكثر لتعزيز الشعور بالامتنان وهذا ما سيتم ذكره لاحقاً في هذا المقال.
انتظر هناك المزيد حول الامتنان …
ربما تحدثك نفسك الآن أن ذلك مجرد كلام إنشائي أو أنك ستضيع وقتك في قراءة بضع جمل قد سمعتها من قبل أو تبدو منطقية ولا جديد فيها، وربما تتسائل أيضاً ما علاقة ذلك بالطب من الأساس! حسناً، يمكنني إخبارك أن الحديث عن الامتنان لا يتوقف على الحكماء أو الأدباء فقط وإنما شغل ذلك الموضوع أذهان ووقت الباحثين في مجال الطب النفسي و علم نفس السعادة في أكثر من جامعة معروفة وما تم التوصل إليه يستحق التوقف عنده لبعض الوقت.
جدير بالذكر أن الامتنان هو واحدة من الممارسات الدينية العتيقة فيما يعرّف في التراث الديني باسم “شكر النعم” أو ترديد “الحمد لله”، لكننا في هذا المقال سنقارب الموضوع من ناحية طبية / نفسية ربما تجعلك تهتم بتلك الممارسة وتعطيها بعداً وفهماً أكثر عمقاً مع العلم بأن الامتنان عادة يمكن لأي شخص ممارستها بغض النظر عن دينه أو درجة تدينه.
تأثير الامتنان على المخ والصحة النفسية
ما توصلت إليه العديد من الدراسات التي ألقت اهتمامها على ذلك الموضوع أن ممارسة الامتنان بانتظام لها تأثيرها الإيجابي الملحوظ على الصحة النفسية كما أنها تساعد على التقليل من مشاكل النوم وتجعل الحصول على نوم عميق صحي أسهل كما أنها تقلل من حدة التوتر وتساعد على الاسترخاء.
ليس ذلك فقط بل إن ممارسة الامتنان من شأنها أيضاً جعل العلاقات أكثر فعالية وهناك دراسات أخرى وجدت تأثيراً إيجابياً على الجهاز الدوري والذي بدوره يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. من النتائج التي تم التوصل إليها أيضاً أن الشعور بالامتنان وممارسته له تأثير إيجابي للتقليل من الشعور بأعراض الاكتئاب والقلق.

الامتنان والاكتئاب والميول الانتحارية
حسناً، هنا لابد من شرح الأمر ببعض التفصيل. فيما يتعلق بتأثير الامتنان والتعبير عنه على مرضى الاكتئاب والقلق وأولئك الذين يعانون من أفكار انتحارية فالنتائج لم تكن قاطعة، فبعض الدراسات أكدت التأثير الإيجابي للامتنان وممارسته والتعبير عنه على مرضى الاكتئاب والقلق وذوي الميول الانتحارية فيما نفت دراسات أخرى ذلك التأثير وأقرت عكسه تماماً.
بالتفكير بطبيعة ذلك الشعور أو تلك الممارسة فسنجدها معقدة قليلاً وليست بتلك البساطة ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للاكتئاب إن لم يكن أكثر تعقيداً، فالشعور بالامتنان قد يحمل في طياته في بعض الأحيان الشعور بعدم الارتياح وشئ من الإحراج والشعور بالذنب لدى أشخاص بعينهم وهؤلاء الأشخاص هم المصابون بالاكتئاب خصيصاً في مراحله المتقدمة، فمريض الاكتئاب يعاني من شعور دائم بالذنب وعدم الاستحقاق ربما يتفاقم ويزداد سوءاً عندما يحاول المريض أن يعدد الأشياء الجيدة في حياته فقد يجعله ذلك يشعر بالعجز والسوء محدثاً نفسه إذا كنت أمتلك كل تلك الأشياء الرائعة فلماذا لا أشعر بالسعادة؟ لابد أن هذا ذنبي.
أو قد يشعر أنه لا يستحق هكذا حياة أو هكذا علاقات لأنه شخص سيء (من وجهة نظره). مما سبق يمكن القول أن ممارسة الامتنان قد تؤتي نتائج إيجابية عند بعض مرضى الاكتئاب والقلق وخصيصاً في مراحلهما الأولى وقد تتسبب في بعض الضرر لدى البعض الآخر وخصيصاً في المراحل المتأخرة من المرض وتلك الحالات التي تترك بدون علاج دوائي.
هل الامتنان شعور أم ممارسة؟
الامتنان بالطبع شعور لكنه كذلك شعور يمكن ممارسته. بشكل أوضح فهناك طرق لللتدريب على ممارسته واستحضاره بشكل منتظم، مع الوقت سيكون ذلك الشعور هو صفة غالبة فيك وشعور يسيطر عليك بدون مجهود وستتمكن بسهولة من رؤية الجانب الإيجابي والمضئ في حياتك وعلاقاتك وإنجازاتك مهما كانت حياتك مليئة بالعراقيل وهذا ما أكده المئات ممن خاضوا تلك التجربة.
كيف يمكن التدريب على الشعور بالامتنان؟
هناك العديد والعديد من الطرق للتدريب على الشعور بالامتنان:
- تخصيص وقت محدد وثابت من اليوم لاستحضار الأحداث الجيدة والإنجازات التي قمت بها وإن كانت صغيرة جداً.
- استخدام المفكرات لتدوين تلك الأشياء التي تمتن لوجودها في حياتك.
- التصريح بالامتنان للأشخاص الداعمين في حياتك.
- يمكنك الاستعانة ببعض التطبيقات التي ستساعدك في التذكير بموعد تدريبك وستسمح لك بتدوين أفكارك مثل تطبيق Gratitude Journal أو Bliss وغيرها من التطبيقات.

قد يبدو الأمر صعباً أن تجد أشيائاً إيجابية تمتن لوجودها في حياتك لتكتبها بشكل منتظم في مفكرة الامتنان مثلاً، في حقيقة الأمر لا تحتاج لأحداث وأمور عظيمة لتكون ممتناً لوجودها يمكنك مثلاً الكتابة عن أبسط الأشياء ككتاب أعجبك أو مقال حصلت منه على بعض الفائدة، يمكنك الكتابة عن محادثتك مع صديقك التي جعلتك تشعر بالسعادة أو ابتسامة غريب لك في وسائل المواصلات، يمكنك أن تبدأ في سرد تلك الصفات التي تحبها في نفسك، يمكنك أن تدون شعورك بالامتنان لنفسك لذهابها للعمل اليوم ولتحملها ضغوط الحياة أو أن تدون امتنانك لامتلاكك مكان تستطيع النوم فيه وحصولك على طعام ومياه نظيفة أو ربما امتنانك لحالة الطقس الجيدة، في الحقيقة ستجد دائماً شيئاً يمكنك الشعور بالامتنان تجاهه.
ختاماً..
اختصاراً لما تم سرده سابقاً فإن أكثر من دراسة حديثة أثبتت التغيير الإيجابي والفوائد التي يمكن أن تجنيها من ممارسة الامتنان على صحتك النفسية والعقلية وتباعاً على تصرفاتك وإنتاجك. اتفقت تلك الدراسات على أن واحدة من أكثر الطرق فاعلية للتدريب على الامتنان والحصول على أفضل النتائج هي تدوين ذلك الشعور وما يدفعك إليه في مفكرات مخصصة لذلك.
اختلفت الدراسات فيما بينها على عدد مرات تمارين الامتنان التي تمارسها أسبوعياً كما اتفقو أن هناك فروقاً فردية للاستجابة بين الأفراد لذلك فأنت وحدك تستطيع تحديد الطريقة الأكثر فعالية لك.
عاش يابنتي وانا بقرأ مكنتش بقرأ بس ،، كنت بحس كل كلمة وكل فقرة ، واعتقد انه جااي ف وقته جدا ❤️
جميل جدا واظنه واقعي