ربما تكون ملسماً أو مسيحياً أو يهودياً، ربما تؤمن بوجود إله و قد تكون ملحداً أو لاأدرياً فهذا لا علاقة له بالحقيقة العلمية التي تثبت تأثير الدين على الدماغ والجسم بشكل واضح مبني على تجارب علمية و قياسات دقيقة يهتم بها علم الأعصاب و خاصة فرعه “النيوروثيولوجي” المعني بدراسة تأثير المعتقدات الدينية على الدماغ، و الذي توصل في السنوات الأخيرة إلى العديد من الاكتشافات المدهشة.
يرجح بعض العلماء أن الخبرات و التجارب الروحية الدينية -كالصلاة مثلاً- تقوم بتنشيط بعض الدوائر العصبية في الدماغ بنفس الشكل الذي يحدثه ممارسة الجنس أو تناول الحبوب المخدرة. علماء آخرون يقولون أن حدوث ضرر لبعض المناطق في الدماغ قد يدفع صاحبه إلى الشعور بوجود قوة إلهية بصورة أكبر.
فهم العلماء للطريقة التي تتعاطى بها أدمغتنا مع الدين و التجارب الروحية و الأسس العصبية و البيولوجية لذلك يفتح الباب واسعاً أم تساؤلات أكبر: هل يمكننا إنتاج التجارب الروحية معملياً لجعل أي شخص يخبرها؟ و هل وجود أساس عصبي و بيولوجي للدين محفور في أدمغتنا يثبت وجود الدين؟ أم أن أدمغتنا تطورت بطريقة جعلتنا أكثر قابلية للتدين و الإيمان بالدين و الغيبيات و ما ذلك كله سوى عرض جانبي للنشاط الكهروكيميائي للدماغ؟!

الأديان المختلفة لها تأثيرات مختلفة على الدماغ
دكتور أندرو نيوبيرج، أستاذ طب الطواريء و علم الأشعة الطبية في جامعة توماس جيفرسون في ولاية بنسلفانيا، أوضح أن الأديان و الشعائر الدينية المختلفة لها تأثيرات متباينة على المخ، بمعني أنها تعمل على تنشيط و تحفيز مناطق مختلفة.

بناءً على الأبحاث العديدة التي أجراها الدكتور أندرو نيوبيرج و صور مسح الدماغ، فإن الرهبان البوذيين الذين يمارسون التأمل Meditation كنشاط ديني وكذلك الرهبان الكاثوليك أثناء صلواتهم لديهم نشاط أكبر في في الفص الأمامي من الدماغ و المرتبط بوظائف عقلية كالتفكير و التركيز و الانتباه، بالإضافة إلى انخفاض نشاط الفص الجداري Parietal Lobe من الدماغ والمسؤول عن تحليل البيانات الزمنية و المكانية.

صلاة الإسلام و تأثيرها على الدماغ
وفقاً لدكتور أندرو فإن الصلاة الخاشعة التي يؤديها الشخص ذو الديانة الإسلامية تعتمد على فكرة الاستسلام للإله و الحديث إليه، و لذا يظهر انخفاض في نشاط القشرة الأمام جبهية من الدماغ Prefrontal cortex المسئولة عن التصرفات الإرادية، وكذلك انخفاض في نشاط الفص الجداري Parietal Lobe ما يعني شعور أقل بالنفس و بالبيئة المحيطة.

أيضاً ترتبط الصلاة بشكلها الإسلامي بزيادة نشاط القشرة الحزامية الأمامية Anterior cingulate Cortex المرتبطة بالتحكم في المشاعر، وكذلك زيادة نشاط النواة الذنبية caudate nucleus والتي تعتبر جزءً من نظام المكافأة في الدماغ.
دراسة أخرى أجراها مجموعة باحثون من جامعة مالايا في ماليزيا على تأثير الصلاة الإسلامية على رسم المخ EEG و علاقته بالجهاز العصبي اللاإرادي، توصلت هذه الدراسة إلى زيادة موجات ألفا الصادرة عن الدماغ و المرتبطة بالشعور بالاسترخاء مع زيادة في نشاط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي Parasympathetic System و انخفاض في نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي Sympathetic System مما يؤدي إلى زيادة الشعور بالراحة و الاسترخاء و تقليل التوتر و القلق و تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب و الشرايين.
التجارب الروحية لها تأثير يشبه المخدرات، الجنس، و الموسيقى!
هناك دراسة نشرت عام 2016 قام بها الدكتور جيف أندرسون من كلية الطب بجامعة يوتا الأمريكية على مجموعة من المورمون (أحد الطوائف المسيحية في الولايات المتحدة) أثناء أداء صلواتهم، وقد أظهر فحص دماغهم بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI نشاطاً في مناطق نظام المكافأة في الدماغ بآلية عمل تشبه تأثير ممارسة الجنس أو الاستماع إلى موسيقى جميلة أو تعاطي المخدرات!
دراسة أخرى نشرت عام 2008 عن الأسس العصبية و البيولوجية للروحانيات و الإيمان خلصت إلى أن الشعائر الدينية تؤدي إلى زيادة مستوى السيروتونين (هرمون السعادة) و الإندروفين (مسكن قوي يتم إفرازه طبيعياً بواسطة الدماغ).
هل يمكننا خلق التجارب الروحية معملياً ؟!
خلال السنوات الأخيرة في علم الأعصاب تم تحديد بعض المناطق في الدماغ التي تعمل عندما يمر الشخص بتجربة “روحية” مثل الشعور بوجود قوة عليا أو الخروج من الجسد و الانتقال إلى أبعاد أخرى خارج حدود الجسد أو رؤية أشياء غير مألوفة كما يحكي من مر بمثل هذه التجارب.

هذه المناطق تشمل القشرة الجدارية العليا Superior parietal cortex و القشرة الأمام جبهية Prefrontal cortex على وجه التحديد كما سبق وأشرنا، وهي مسئولة عن الإحساس بالنفس والعالم من حولنا لذا فإن أي ضرر في هذه المناطق قد ينتج عنه مرور الشخص بتجارب قد يفسرها على أنها تجارب روحية وما هي إلا نتاج ضرر أصاب تلك المناطق كما يرى الأستاذ James Giordano من جامعة جورج تاون بواشنطن.
فهمنا للأساس العلمي للتجارب الروحية سواء في الصلاة أو أداء الشعائر عموماً أو التجارب الروحية التي يذكرها أصحاب الديانات، هل يسمح لنا بإنتاج تلك التجارب داخل المعمل لجعل أي شخص يمر بها و يخبرها؟
الفكرة إذاً تكمن في تحفيز المناطق المسئولة عن المشاعر الروحية داخل الدماغ، وهي الفكرة التي حولها الدكتور مايكل بيرسنجر مدير قسم علم الأعصاب بجامعة Laurentian الكندية إلى اختراع أطلق عليه اسم “خوذة الإله God Helmet” وهو عبارة عن جهاز على شكل خوذة تلبس في الرأس لتحفيز المناطق المسئولة عن المشاعر الروحية عبر مجال مغناطيسي، وقد أفاد 80% من المشاركين في تجربة خوذة الإله عن إحساسهم بوجود شيء ما أو قوة ما معهم أثناء التجربة.

كل التجارب التي نمر بها بما فيها التجارب الروحية و الدينية تترك أثارها على الدماغ في شكل نشاط كهروكيميائي، وذلك أمر مفيد دراسته من الناحية العلمية والأكاديمية ويقربنا أكثر من فهم نفسنا وفهم ذلك العضو الغامض الذي نحمله دوماً في رؤوسنا، لكن في الوقت نفسه لا يمكن الاعتماد على تلك الدراسات والأبحاث – التي لازالت في مهدها – كدليل إثبات على وجود الله من قبل المتدينين أو دليل نفي من قبل غير المتدينين، فليست مهمة العلم الإجابة عن تلك الأسئلة الغيبية، فالعلم يهتم فقط بما هو قائم وموجود ومحسوس ويمكن رصده وقياسه وليس موكل إليه البحث في قضايا الغيب والإيمان.
المصادر:
- What religion does to your brain – MNT
- Neurobiology of Spirituality – NCBI
- Andrew Newberg Reshearch
- How Does Neuroscience Explain Spiritual and Religious Experiences – Medium
- God Helmet – Micheal Persinger
- Neurophysiological effects of mind during intense Islamic prayer
- Effect of Muslim Prayer (Salat) on α EEG and Autonomic Nervous System Activity – NCI