مرض السرطان من الأمراض التي تشغل اهتمام المجال الطبي وغير الطبي على حد سواء. فحتى الآن لا يوجد علاج فعال يستطيع القضاء على السرطان أو شفاؤه بشكل جذري رغم كونه يحصد آلاف الأرواح كل عام في كل من البلاد المتقدمة والنامية دون تفرقة وهذا ما جعله من أولى الاهتمامات في المجال البحثي ليس مؤخراً فقط وإنما من سنوات عديدة.

أسفرت تلك الأبحاث وتلك المجهودات عن ظهور بعض طرق العلاج مثل العلاج الكيميائي والعلاج بالإشعاع والعلاج الجراحي والتي تختلف في فاعليتها في علاج أنواع السرطان ومؤخراً يأتي العالمان جيمس أليسون و تاسوكو هونجي ليكتشفان نوع آخر من العلاج وهو العلاج المناعي يُضاف إلي الأنواع السابقة ليجعلنا نقترب خطوة أخرى نحو القضاء على هذا المرض وليشكل أملاً جديداً لكل مريض، وعن هذا الاكتشاف العظيم حصل العالمان على جائزة نوبل في الطب لعام 2018.

علاقة السرطان بالجهاز المناعي
الجهاز المناعي من المفترض به أن يتعرف على جميع الخلايا الغير سليمة بالجسم ويقوم بمهاجمتها وقتلها كما يقوم بمهاجمة الأجسام الغريبة تماماً، وهذا ما دفع العلماء للتساؤل لماذا لا يهاجم جهاز المناعة الخلايا المصابة بالسرطان ويقتلها لمنع انتشارها؟
افترض العلماء أن السبب في ذلك أن جهاز المناعة ليس نشطاً بما فيه الكفاية وإن تم تنشيطه بشكل معين سيستطيع القضاء على السرطان، وقد تم ذلك عن طريق حقن انواع معينة من البكتيريا لتنشيط جهاز المناعة حتى يستطيع التعرف على الخلايا المصابة ومهاجمتها. نجحت هذه التقنية بشكل جزئي مع بعض أنواع السرطان لكن كانت الأعراض الجانبية لها أكثر من فوائدها وهو ما دفع العلماء للمزيد من الأبحاث للتوصل لتقنيات جديدة.
اكتشاف أليسون وهونجي لعلاج السرطان
من الطريف أن كلاً من العالمين لم تكن وجهتمهما دراسة السرطان أو محاولة اكتشاف علاج له وإنما كان كل منهما يعمل على البحث ف جهاز المناعة في وقت مختلف وفي قطرين مختلفين من الكرة الأرضية. فبينما كان جيمس أليسون في الولايات المتحدة الأمريكية كان نظيره تاسوكو هونجي في اليابان يقومان بأبحاثهما وتجاربهما على بعض الأمراض المناعية عندما اكتشف كل منهما عن طريق الصدفة خصائص معينة للخلايا التائية T-cells من الممكن أن تساعد في فهم وعلاج السرطان.
من المعروف أن خلايا جهاز المناعة مبرمجة بشكل ما على أن تتعرف على كل من خلايا الجسم الطبيعية والخلايا الغير طبيعية والأجسام الغريبة كلٌ بصفته، وهذا ما يجعلها تستطيع التفرقة بينهم وترد برد فعل مناسب تجاه كل خلية، فلا تقوم بمهاجمة خلايا الجسم الطبيعية وإنما تقوم بمهاجمة الخلايا الغريبة والمصابة فقط. إذا حدث أي خلل في تلك العملية في خطوة التعرف على الخلايا أو في مقدار رد الفعل بالزيادة تنتج أمراض المناعة الذاتية أو بالنقص فيؤدي لضعف آداء جهاز المناعة ضد الأمراض.
تنظيم حالة التوازن تلك عملية معقدة جداً وكان اكتشاف كل من العالمين لخطوات في آلية تلك العملية، فقد اكتشف العالم جيمس أليسون خلال أبحاثه وجود بروتين معين على سطح الخلية التائية T-cell يسمى CTLA-4 والذي يقوم بدور المكابح للخلايا التائية بحيث يتم تثبيط عملها بشكل ما، وهذا ما دفع العالم للتفكير بأن إيقاف عمل ذلك البروتين قد يكون مفيداً في زيادة نشاط خلايا T-cell وبالتالي تستطيع مهاجمة خلايا السرطان بشكل أفضل وربما تستطيع القضاء عليه. وبالفعل قام أليسون بتطوير جسم مضاد يستطيع الاتصاق بهذا البروتين CTLA-4 ليوقف عمله وقام بتجربة ذلك على فئران مصابة بالمرض وحققت تجاربه نتائج إيجابية.
بينما كان جيمس أليسون يقوم بتلك الأبحاث وتلك التجارب كان هونجي على الجانب الآخر يدرس جهاز المناعة أيضاً وتوصل بدوره إلى اكتشاف بروتين آخر على سطح الخلايا التائية وهو PD-1 والذي توصل لكونه يعمل أيضاً على كبح جماح جهاز المناعة ولكن بطريقة مختلفة عن التي يعمل بها البروتين CTLA-4 وقام هونجي بتطوير جسم مضاد يقوم بإيقاف عمل ذلك البروتين أيضاً مما يؤدي بالنهاية لتنشيط عمل الخلايا التائية بشكل معين تستطيع من خلاله مهاجمة خلايا السرطان والقضاء عليها. بالرغم من كفاءة طريقة كل من العالمين إلا أن دمج الطريقتين معاً يؤدي إلى نتائج أفضل في العلاج وهذا ما جعل العالمين يستحقان الحصول على جائزة نوبل في الطب لعام 2018.

هل سيؤدي هذا العلاج لمرض مناعة ذاتي؟
لعلك تتسائل الآن إذا كانت هذه الاستراتيجية ستقوم بإيقاف المكابح للخلايا التائية وستقوم بتنشيط عملها فإن جهاز المناعة في هذه الحالة سيقوم بمهاجمة خلايا الجسم الطبيعية ويؤدي لمرض مناعة ذاتي. حسناً الإجابة هنا للأسف ليست مطمئنة بشكل كافٍ فعلى الرغم من المحاولات لضبط عمل هذا النوع من العلاج بحيث يستطيع من مهاجمة الخلايا السرطانية فقط إلا أن هذا غير قابل للتحقيق بشكل كامل لذلك فمن أشهر الأعراض الجانبية للعلاج المناعي للسرطان هو إمكانية الإصابة بمرض مناعة ذاتي نتيجة مهاجمة جهاز المناعة لخلايا الجسم الطبيعية. ما زالت هناك العديد من الأبحاث القائمة لتطوير هذا العلاج وربما دمجه بغيره للحصول على أفضل النتائج وأقل الأعراض الجانبية.
هل سيتم القضاء على السرطان نهائياً ؟
للأسف الشديد بالرغم من هذا الاكتشاف العظيم هذا العام والذي كلل أبحاثاً قائمة منذ مائة عام للعلاج المناعي للسرطان إلا أن هذا الاكتشاف لا يمثل علاجاً نهائياً للسرطان، ذلك لأن السرطان ليس مرضاً واحداً بل إن له عشرات أو مئات الأنواع وكل نوع من تلك الأنواع ينتج عن خلل معين معروف أو غير معروف كما أن سلوك كل نوع من السرطان يختلف عن سلوك الأنواع الأخرى(مثلاً سرطان الثدي يختلف تماماً عن سرطان الرئة أو سرطان الغدة الدرقية وهكذا) وبشكل عام لا يمكن التنبؤ بسلوك الأورام السرطانية مما يجعل وجودها وتطورها محط تساؤل حتى الآن.
بالرغم من أن اكتشاف العالمان أليسون وهونجي لم يقضي على السرطان بشكل نهائي إلا أنه خطوة هامة وتقدم عظيم في مجال علاج السرطان سيساهم في علاج أنواع معينة كانت تعجز عن علاجها الأساليب القديمة كما أنه فتح باباً جديداً من الأمل لكل من الباحثين والمرضى لإمكانية تطوير هذا النوع من العلاج أو اكتشاف علاج آخر.
المصادر: Nobelprize.org
مقالات ذات صلة: