تسيطر أجواء الفرحة والتوتر والقلق على الجميع، الكل في انتظار الخبر المنشود هل يا ترى هي طفلة غاية في الحسن تشبه أمها أم أن ملامح أباها قد طغت؟ هل هو صبي آية في الجمال؟ هل الطفل بصحة جيدة؟ وكيف حال الأم يا تُرى؟ هل الأم بخير؟ تخرج الممرضة لتزف الخبر أن كلا الأم والطفل بخير فينتهي القلق ويتنفس من ينتظر الصعداء معلناً بذلك انتهاء مرحلة الخطر أو عنق الزجاجة كما يظنون، لكن للأسف هذا ليس بصحيح لا تلك هي مرحلة الخطر ولا هي بعنق الزجاجة.
من هنا تبدأ مرحلة جديدة ومختلفة تماماً هي حرفياً وليس تشبيهاً حالة طوارئ. ينقلب البيت رأساً على عقب لتلبية احتياجات ذلك المخلوق الصغير غير المفهوم ويقع العبء الأكبر بطبيعة الحال على الأم التي لم تستعد بعد عافيتها ولم تستفق من آثار حملها وولادتها لتجد نفسها مسئولة بالكامل عن كائن حي غاية في الضعف والهشاشة وغاية في التعقيد والغموض في الوقت ذاته، لا تعلم ماذا يريد، لماذا يبكي! لماذا لا يتوقف عن البكاء؟ هل يشعر بالجوع؟ هل يتألم؟ هل يريد النوم؟ هي حقاً لا تفهم وكل ما سبق هي ضغوط نفسية وجسدية فوق تلك الموجودة بالفعل وهي تبذل أقصى ما في وسعها ويبدو أن الأمور لا تتحسن.
تمر ساعات النهار ببطء وتنتظر المسكينة الليل بفارغ الصبر حتى يستطيع هذا الجسد المنهك أن ينال قسطاً من الراحة وليتوقف عقلها عن التفكير والقلق لبعض الوقت، لكن هيهات يبدو أن ذلك الأمر البديهي والحاجة الفسيولوجية الأساسية (النوم) أصبحت الآن ضرباً من المستحيل فما إن تفكر الأم بالنوم حتى يبدأ هذا الكائن الطفيلي بالبكاء الهستيري الذي لا يتوقف.

قد يبدو أن ما كُتب بالسطور السابقة درامياً بعض الشئ وأن هذا السيناريو هو أمر طبيعي تمر به وتتحمله جميع النساء لكن للأسف ما كُتب ليس بالدراما ولا يضاهي أي قدر مما تمر به المرأة قُبيل وبعد الولادة. كل ما هنالك أن طبيعة المجتمع الشرقي تُلقي باللوم دائماً على النساء وتتهمهن بالمبالغة والضعف ما يدفعهن للصمت وعدم الشكوى في مثل تلك الظروف وغيرها.
ذهان ما بعد الولادة
قد يستمر ذلك السيناريو المذكور أعلاه على نفس الوتيرة حتى تنقضي الشهور الأولى في حياة الطفل وتستعيد الأم جزء من عافيتها وتمر الأمور بسلام أو بوصف أدق تمر تلك الفترة بأقل الأضرار. لكن ليس هذا هو السيناريو الوحيد فهناك سيناريو آخر غاية في الغرابة والرعب من الممكن أن يحدث تحت تلك الضغوط النفسية والجسدية وأهمها التغيرات الهرمونية الشديدة والحرمان من النوم.
تبدأ الأم بفقدان الاتزان ثم تعاني من بعض التهيؤات أو الانفصال عن الواقع، يمكن أن يزداد الأمر سوءاً ليلاحظ الزوج أو المحيطين بالأم أنها تتحدث لأشخاص غير متواجدين بالواقع وتزداد الهلاوس والضلالات لتأخذ من عقل الأم مأخذها، فقد تكون مؤمنة تمام الإيمان أن هناك من يراقبها ويريد بها السوء، أو أنها مكلفة بمهمة سرية تابعة للمخابرات أو ما شابه أو أن هذا الطفل ليس طفلها أو أن به كياناً شيطانياً أو كائناً فضائياً يكيد لها ولمن تحب بالشر ما يدفعها لإيذاء طفلها أو التخلص منه أو حتى إيذاء نفسها أو الانتحار. كل ذلك ليس فيلم رعب أو حتى خيال علمي بل هو مرض معروف ومثبت علمياً وهو “ذُهان ما بعد الولادة”.
ما هو الذهان؟
الذُهان هو مرض عقلي حيث يفقد فيه المريض حكمه السليم على نفسه وعلى الواقع ويعاني من هلاوس بصرية وسمعية كأن يتخيل سماع ورؤية أشياء غير حقيقة كما يعاني من العديد من الأوهام والضلالات وهي معتقدات وأفكار غير صحيحة ترسخ في عقل المريض ويتصرف على أساسها.
تختلف تلك الأوهام والضلالات من مريض لآخر ولكن أشهرها تكون أفكار ارتيابية عن أن هناك طرف ما يحاول إيذاء المريض وربما تشمل تلك الضلالات جنون العظمة فيظن المريض أنه يعمل لصالح منظمة خطيرة سرية أو حتى أنه نبي أو رسول. هؤلاء من يطلق عليهم المجتمع ” المجانين” وهم في الحقيقة مرضى يحتاجون لتلقي العلاج. ما يجعل الأمر أكثر سوءاً أن مرضى الذٌهان لا يعترفون بمرضهم وبالتالي لا يستجيبون غالباً لمحاولات العلاج ما يجعل في بعض الأحيان إبقائهم في المصحات العقلية أمراً واجباً لحمايتهم وحماية المجتمع من أي ضرر.
بالعودة للحديث عن ذُهان ما بعد الولادة، نعم الأمر ليس بذلك الانتشار لكن في نفس الوقت فإن 2 من بين كل 1000 سيدة تلد تصاب بذلك المرض وينتهي بها الأمر بالتخلص من حياتها أو قتل طفلها. وهذا ما يمثل جرس إنذار لنا جميعاً لنعرف أكثر عن تلك الحالة للوقاية منها من الأساس وللحفاظ على صحة الأم والجنين. (مقال مرتبط: 15 تغير بعد الولادة – كيف يترك الحمل بصماته على جسد الأم)
اكتئاب ما بعد الولادة
إن كان ذٌهان ما بعد الولادة أمراً نادراً بعض الشئ فهناك مرض نفسي آخر ليس بتلك الندرة وهو اكتئاب ما بعد الولادة والذي يصيب تقريباً حوالي 15% من السيدات وربما أكثر، وإن كان هذا المصطلح” اكتئاب ما بعد الولادة” قديماً بعض الشئ فقد تم تحديثه الآن ليشمل فترة ما قبل الولادة وما بعدها وليس بعدها فقط.
لا تختلف أعراض اكتئاب ما بعد الولادة عن الاكتئاب الاعتيادي وهي:
- الحزن الشديد والرغبة الدائمة في البكاء
- القلق والخوف الشديدين
- اضطرابات في الشهية والنوم
- فقدان الوزن الزائد أو زيادة الوزن
- صعوبة النهوض من السرير والشعور بالثقل
- فقدان الاهتمام في كل شئ
- صعوبة الشعور بالسعادة
- كراهية النفس
- كراهية الطفل او إلقاء اللوم عليه
- الشعور بالذنب
- صعوبة التركيز والتفكير واتخاذ القرارات
( مقال مرتبط: 8 أنواع مختلفة من الاكتئاب – هل أنت مصاب بأحدها؟ )
الأسباب
لا تختلف أسباب اكتئاب ما بعد الولادة كثيراً عن أسباب ذٌهان ما بعد الولادة فكلا الحالتين تحدثان بسبب الاضطرابات الهرمونية التي تعصف بالأم في تلك الفترة وبعض الضغوط الأخرى مثل الحرمان من النوم والشعور بالألم وضغط المسئولية واحتياجات الطفل الغير منتهية وعدم رضا الأم عن شكلها وجسدها ما بعد الولادة ونقص الدعم العاطفي من المحيطين والعديد من الضغوطات الأخرى بالإضافة لوجود استعداد لدى بعض الأمهات للإصابة بتلك الأمراض عن غيرها كهؤلاء اللاتي لديهن تاريخ مرضي لمثل تلك الحالات من قبل. (مقال مرتبط: حقائق وخرافات حول أدوية مضادات الاكتئاب)
العلاج – كيف نتعامل مع الأمر؟
على الرغم من كون الأمر مرعب وخطير بعض الشيء إلا أن هاتين الحالتين قابلتان للتفادي عن طريق بعض الخطوات البسيطة:
- تقديم الدعم العاطفي المستمر والكافي للأم أثناء الحمل وبعد الولادة.
- مساعدة الأم على نيل قسط كافٍ من النوم عن طريق أخذ الطفل بعيداً عنها حتى تحصل على فترة كافية من النوم غير المتقطع.
- ملاحظة الأم عن قرب وفي حالة ظهور أي بوادر للاكتئاب أو الذهان عليها زيارة الطبيب النفسي فوراً.
- اختيار طبيب نفسي حاذق أمر بغاية الأهمية فهناك الكثير ممن يفوتون تشخيص تلك الحالات أو يستهينون بها
في النهاية إذا شعرتِ بالتعب أو السأم فعبري عن ذلك، إذا شعرت بعدم الارتياح وحاجتك للمساعدة فاطلبيها على الفور، ليس هناك ما يضاهي صحتك وصحة طفلك، ولا عيب بك إن صرحتِ أنك في غاية التعب.
عاش تسنيم عاش❤️?
الدراما ال ف الاول عجبتني جدا جدا يعني ✌️