بالطبع سمعت من قبل عن السيروتونين أو ما يُسمى مجازاً هرمون السعادة، السيروتونين هو ناقل عصبي ينقل الإشارات الكهربية من خلية عصبية لأخرى، يوجد في أجزاء معينة من المخ كما يوجد أيضاً في الأمعاء. الدور المعروف والمشهور لهذا الناقل العصبي هو تحسين المزاج والشعور بالسعادة لكن لهذا الناقل العصبي العديد من الوظائف الأخرى فهو يشارك في تنظيم عملية النوم بشكل صحيح وله دور أيضاً في الشعور بالرغبة الجنسية. أثبتت الدراسات الحديثة أن السيروتونين لا يتوقف دوره في الجسم عند هذه الوظائف فقط وإنما له علاقة بالذاكرة والتعلم.
السيروتونين والذاكرة
كما أشرت سابقاً أن السيروتونين هو ناقل عصبي يقوم بنقل الإشارات العصبية من خلية لأخرى وذلك يتم داخل دوائر عصبية مُعقدة في الدماغ، من ضمن الأماكن التي تتواجد فيها تلك الدوائر العصبية منطقة الحُصين (Hippocampus) وهي منطقة في المخ لها علاقة وثيقة بتكوين الذاكرة طويلة المدى أو تحويل الذاكرة قصيرة المدى لذاكرة طويلة المدى عن طريق تخزينها في أماكن محددة في القشرة المُخية للدماغ.
يمكن اعتبار السيروتونين في تلك الحالة هو الوقود الذي يُدير الآلة التي تقوم بتكوين الذكريات، لذلك نجد مستوى هذا الناقل العصبي منخفض لدي الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الذاكرة أو ضعفها، كما نجد الأشخاص المصابون بالاكتئاب لنقص السيروتونين يعانون من ضعف الذاكرة وصعوبة التعلم. كما لاحظ الأطباء والعلماء وجود تحسن ملحوظ في حالة هؤلاء المرضى عند تناول أدوية تُساعد في رفع نسبة السيروتونين في الجسم مثل أدوية مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين (Selective Serotonin Reuptake Inhibitors). (مقال ذو صلة: تأثير استخدام الهواتف المحمولة على الدماغ؟)
هل للسيروتونين تأثير علي سرعة التعلم؟
من التجارب المثيرة للاهتمام التي قام بها الباحثون علي الفئران لمعرفة تأثير السيروتونين علي الذاكرة والتعلم هي تقسيم الفئران إلي مجموعتين ووضعهم في مكان مع آلة لسكب المياه للشرب بحيث تعمل الآلة وتسكب المياه عند سحب طرف معين ولا تعمل عند سحب الطرف الآخر.
وراقب الباحثون سرعة تعلم الفئران لهذه القاعدة للحصول علي الماء في المرة التي تلي المحاولة الأولى فكانت سرعة التعلم في مجموعة الفئران التي تم تنشيط الأعصاب التي تُنشط بالسيروتونين بها أسرع وأفضل من المجموعة الأخرى التي لم يتم فيها تنشيط تلك الأعصاب بها مما أثبت أن السيروتونين يزيد من سرعة التعلم وكفائته.
هناك نوعان من الذاكرة الأولى: ذاكرة العمل أو ما يُسمى الذاكرة قصيرة المدى وهي نوع الذاكرة التي تكون نشطة أثناء القيام بمهمة ما ولفترة قصيرة جداً بعد ذلك، والنوع الثاني: الذاكرة طويلة المدى وهي الذاكرة التي تُخزن فيها خبراتنا السابقة وتجعلنا نقوم بتكرار تلك الأعمال بشكل تلقائي فيما بعد.
عند القيام بالتجارب علي تلك الفئران وجد الباحثون أن الاستجابة تكون أسرع في مجموعة الفئران التي تم تنشيط الخلايا العصبية المعتمدة علي السيروتونين فيها عن المجموعة الأخرى في القيام بمهمة الحصول علي الماء بعد فترة من الزمن من نجاح المحاولة الأولى للحصول عليه، أي بكلمات أخرى وجدوا أن السيروتونين يلعب دور هام في تنشيط وتقوية الذاكرة طويلة المدى أكثر من تأثيرها على الذاكرة قصيرة المدى.
تأثير نقص السيروتونين علي الجسم
كما ذكرنا في أول المقال أن نقص السيروتونين يسبب العديد من المشكلات من ضمنها مرض الاكتئاب والذي يصاحبه ضعف في الذاكرة وصعوبة في التركيز والتعلم، لذلك يصف الأطباء في هذه الحالة مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين (SSRI) والتي تعمل علي زيادة نسبة السيروتونين للوضع الطبيعي، يدمج الأطباء هذا العلاج الدوائي بعلاج معرفي سلوكي للوصول لأفضل النتائج، فبينما يعمل العلاج الدوائي (SSRI) علي إعادة اتزان السيروتونين في المخ يعمل العلاج المعرفي السلوكي علي ضبط العادات والسلوكيات التي تشارك في هذا المرض ليصل المريض في النهاية للتعافى. (مقال ذو صلة: هل تلعب الوراثة دوراً في اضطرابات القلق؟)