هل سبق لك أن انفصلت عن الواقع لفترة من الوقت وعدت بالزمن إلي الخلف لتتذكر موقف ما قد حدث لك من قبل بكل تفاصيله وإحساسه عند شم رائحة مميزة مقترنة بهذا الموقف؟ هذا أيضاً ما حدث مع مارسيل بروست الروائي الفرنسي المشهور عندما شم رائحة خبز المادلين الذي كانت تصنعه له عمته حيث استرجع ذكرياته مع عمته منذ زمن بعيد بكل تفاصيلها من الشارع الذي كان يركض به والوقت الذي كان يذهب فيه للميدان وكل تلك التفاصيل بشكل دقيق تُعرض أمامه مرة أخرى وهذا ما يُسمي بالذاكرة العرضية Episodic Memory. وكانت هذه الذكريات هي التي ألهمت بروست لكتابة أفضل أعماله كما ألهم بروست وما حدث له علماء الأعصاب للبحث في هذه الظاهرة.
ما علاقة حاسة الشم بالذكريات؟
أجريت بعد هذه الواقعة بعقود تجارب ودراسات أسهمت عن فرضية وجود علاقة تربط حاسة الشم بالذاكرة وتم تسميتها باسم تأثير براوست (Proust effect). فسر العلماء ذلك باقتراب المنطقة المسئولة عن حاسة الشم بالمخ من المنطقة المسئولة عن تخزين الذكريات المرتبطة بالزمان والمكان وأثار ذلك العلماء لإكمال دراساتهم في هذا الموضوع.
أثبتت الدراسات الحديثة بعد ذلك صحة هذه الفرضية وأن هذا الارتباط ليس من قبيل المصادفة بل إن الذكريات المرتبطة بالمكان والزمان والرائحة يتم دمجها بشكل متكامل عن طريق دوائر عصبية وتُخزن في منطقة من الدماغ تُسمى نواة الشم الأمامية (Anterior Olfactory Nucleus) وهذه المنطقة لا تعمل بشكل صحيح في مرضى الزهايمر مما يسبب خلل في هذا النوع من الارتباط وهذا النوع من الذكريات.
هذا تحديداً ما أثار فضول العلماء أكثر للبحث بشكل مفصل في ذلك الموضوع حيث سيصبح ذا فائدة كبيرة في الكشف عن مرض الزهايمر في مراحله المبكره عن طريق ما يسمى باختبار الشم (Sniff test).
أهمية اختبار الشم في الكشف عن الزهايمر
ترجع أهمية اختبار الشم Sniff Test لقدرته علي اكتشاف مرض الزهايمر في مراحل مُبكرة حيث أن منطقة نواة الشم الأمامية (ِAON) المسئولة عن تكوين الذكريات العرضية (Episodic Memories) المرتبطة بالرائحة هي من أول الأجزاء التي تتأثر بالمرض في المخ، ولكونه أسهل وأقل تكلفة من أنواع أخري من الاختبارات والفحوص.
يعتمد الاختبار علي قياس الارتباط بين تعرض المريض أو الشخص المٌختبر لرائحة معينة وبين تذكُره واسترجاعه لما برتبط بها من أحداث مر بها من قبل، وذلك أفضل وأدق بكثير من أن يتم سؤال الشخص المُختبر عن الرائحة بشكل مُباشر، يعترض بعض العلماء الآخرين علي جدوى هذا الاختبار بحجة أن وظيفة منطقة (AON) لم يتم تحديدها بشكل قاطع. رغم ذلك يبقى لهذا الاختبار قيمته حتي لو لم يتفق عليه الجميع وما زالت تُجرى بعض الدراسات والأبحاث لتطويره.